بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة الركن الثاني من اركان الاسلام وعماد الدين , والصبر من اسس الاخلاق في هذا الدين الحنيف ومن امهات الاخلاق , وهو مفتاح الفرج وقد ورد الصبر في (90) موضع في القران الكريم فأي قيمة لهذا الخلق ؟؟
فقد بشّر الله الصابرين , وان اجرهم موفى بغير حساب , وان الله يحبهم , والإمامة في الدين والدنيا لمن صبروتيقن ..
استعرض لكم بعض الايات التي قورنت فيها الصلاة بالصبر وبيان العلاقة الوثيقة بينهما وانهما متممان لبعض ..
قال الله سبحانه وتعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار و زلفاً من الليل * ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يُضِيعُ اجر المحسنين } هود (113-114).
أمرٌ من الله عز وجل بإقامة الصلاة كاملة ( في اول النهار وآخره – من صلاة الفجر ثم الظهر الى العصر ) و { زلفاً من الليل }: يدخل في ذلك صلاتي المغرب والعِشاء وقيام الليل , فإنها مما تزلف العبد وتقرّبه الى الله تعالى.
{ إن الحسنات يذهبن السيئات } هذه الصلوات الخمس – بإستحضار القلب والشعور بمناجاة الخالق عز وجل وما ألحق بها من التطوعات- من اكبر الحسنات التي تقرب الى الله وتُوجب الثواب وتُذهب السيئات وتمحوها .. والإشارة لكل ماتقدم من الأمر بإقامة الصلاة وبيان ان الحسنات يذهبن السيئات تعد ذكرى للذاكرين يفهمون بها ما امرهم الله به ونهاهم , ويتمثلون لتلك الاوامر الحسنة المثمرة للخيرات الدافعة للشرور والسيئات ولكن تلك الامور تحتاج الى مجاهدة النفس والصبر عليها .. ولهذا قال الله في كتابه الحكيم : { واصبـــــر } : أي احبس نفسك على طاعة الله وعن معصيته وإلزامها لذلك واستمر ولا تضجر ..
{ إن الله لا يضيع اجر المحسنين }: يتقبل الله عنهم الذي عملوا ويجزيهم اجرهم بـأحسن ما كانوا يعملون , وفي هذا ترغيب عظيم للزوم الصبر بتشويق النفس الضعيفة الى ثواب الله كلما ونّت وفترت ولرفع الدرجات ولاستشعار التواضع واللين والشوق الى الجنة ولدوام ذكر الله ولتعلم ان الله سبحانه وتعالى هو القوي ولأنه يحبك .
ولهذه المناسبة اذكر حديثاً عن ابي مسعود رضي الله عنه ان رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره , فأنزل الله : {وأقم الصلاة طرفي النهار و زلفاً من الليل * ان الحسنات يذهبن السيئات..} فقال الرجل : ألي هذا ؟ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : [ لجميع امتي كلهم ] متفق عليه .
* * * *
قال الله سبحانه وتعالى :{ و استعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } البقرة (45).
أمرَ الله ايضاً ان يستعين الانسان في اموره كلها بالصبر بجميع انواعه ..
وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها
والصبر عن معصيته حتى يتركها
والصبر على اقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها ..
فبالصبر و حبس النفس على ما امر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل امر من الامور , ومن يتصبر يصبّره الله و كذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان وتنهي عن الفحشاء والمنكر ويُستعان بها على كل امر و أن الصلاة كبيرة و شاقة إلا على الخاشعين فهي سهلة عليهم خفيفة ؛ لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحاً صدره لترتبه للثواب وخشيته من العقاب بخلاف من لم يكن كذلك فإنه لا داعي له ان يدعوه إليها وإذا فعلها صارت من اثقل الأشياء عليه .
* الخشــــوع : هو خضوع القلب وطمأنينته و سكونه لله تعالى وانكساره بين يديه ذُلاً وافتقاراً وإيماناً به وبلقائه .
* * * *
قال الله سبحانه وتعالى : { استعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين } البقرة (53).
وهذا أمر آخر من الله أن نستعين على الامور بالصبر عليها لأن الانسان إذا صبر وانتظر الفرج من الله سهلت عليه الامور .. فإذا اصبت بشئ يحتاج الى الصبروالتحمل .
(( اعلم ان النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا ))
والصلاة تعين على الامور الدينية والدنيوية , حتى ان رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ عنه : [ إذا حَزَبَهُ امر فَزِعَ الى الصلاة ] ؛ ولأنها صلة بين العبد وبين ربه الكريم فيقف الإنسان فيها بين يدي الله يناجي ويدعو ويتقرب بالقربات في هذه الصلاة ( تسبيح – تكبير – قراءة القران – استغفار ...الخ ) فكانت سبباً للمعونة .
{ إن الله مع الصابرين } دليل على ان الإنسان مُعان من قِبل الله و أن الله يعين الصابرين ويؤيدهم ويكلؤهم حتى يتم لهم الصبر على ما يحبه الله ويرضاه .. وسيجدون بإذن الله حلاوة الصبر.
* * * *
آيتنا الاخيرة :{ و لنبلوكم بشئٍ من الخوف والجوع ونقصِ من الاموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين } البقرة (155).
فهذا قَسَمٌ من الله عز وجل ان يختبرنا بهذه الامور , فإن قابلناها بالصبر والرضا والشُكر وفّانا الله واعطانا اجره وثوابه , وان كنت صبوراً تحمل كل شئ ولا شئ اوسع رزقاً من الصبر فهو خيراً يعطى لنا فتجد قلبك دائماً مطمئناً و نفسك مستريحة , و لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : [ ما أُعطيَ أحدٌ خيراً أوسع من الصبر ] . ولنا في رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام وفي الانبياء من قبله اسوة حسنة في الصبر .. فأعظم صبر وافضله كان صبر يوسف عليه السلام في محنته بالسجن.. وصبر ايوب عليه السلام المبتلى في ماله و ولده وجسده ..وصبر الرسول في تبليغ الدعوة وتحمله اذى قريش ومن كذّبه وعاداه.
ألا يستحق الله ان نعبده ونصطبر على عبادته وان لم نجد لنا عوناُ ؟
وتذكر ان اليقين في الفرج يهون عليك المصيبة.. درب نفسك واستعن بالله
اللهم اجعلنا من الصابرين .. اللهم ارزقنا قلباً طاهراً , نقياً , حياً موصولاً بك ..اللهم افرغ علينا صبراً وثبت اقدامنا وانصرنا على الكافرين ..اللهم اجعلنا من اهل الفضل إذا ظُلمنا صبرنا , وإذا أُسيء إلينا غفرنا وإذا جهل علينا حلمنا لندخل الجنة بسلام آمنين .. اللهم اجرنا في مصائبنا واخلف لنا خيراً منها ..اهدنا ويسر الهدى لنا واجعلنا ممن يستمع القول ويتبع احسنه .