آه منك يا خروف
د. أحمد مراد
في زاوية قصية .. وبعيدا عن أعين الإعلام ... كان الجزار يحد سكينه ويجهز كلاليبه ...
منتظرا وصول أول خروف من الزريبة المجاورة للمسلخ
في تلك اللحظة كانت الخراف في الزريبة تعيش وتاكل وتشرب وكأنها قد جاءت الى تلك الزريبة بضمان الخلود .
دخل الجزار فجأة الى وسط الزريبة فأدركت " الخرفان " بحسها الفطري أن الموت قادم لامحالة .
وقع الاختيار على احد الخراف ..وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه الى خارج الزريبة ....
ولكن ذلك الكبش كان فتيا في السن ذو بنية قوية وجسما ممتلئا وقرنين قويين ..وقد شعر برهبة الحدث..
وجبن الموقف ..وهو يقاد الى الموت ... فنسي
الوصية رقم واحد من دستور القطيع ... وهي بالمناسبة الوصية الوحيدة في ذلك الدستور ...
وكان قد سمع تلك الوصية قبل ساعات من كبار الخرفان في الزريبة ....
وكانت الوصية تقول :- حينما يقع عليك اختيار الجزار فلا تقاوم فهذا لن ينفعك بل سيغضب منك
الجزار ويعرض حياتك وحياة افراد القطيع للخطر .
قال هذا الكبش في نفسه : هذه وصية باطلة ودستور غبي لاينطلي حتى على قطيع الخنازير ..فكيف بنا نحن
الخراف ونحن أشرف وأطهر .. ... فاذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف ... فلا أعتقد انها ستضرني ...
اما قولهم ان مقاومتي ستغضب الجزار وقد يقتل جميع الخرفان ...فهذا من الغباء ...فماجاء بنا هذا الجزار
الى هذه الزريبة الا وقد أعد عدته ورسم خطته ليذبحنا واحدا بعد الاخر ....فمقاومتي قد تفيد ولكنها
بلا شك لن تضر ....
انتفظ ذلك الكبش انتفاظة الاسد الهصور ..وفاجأ الجزار ...واستطاع ان يهرب من بين يديه ليدخل في وسط
القطيع حيث نجح في الافلات من الموت الذي كان ينتظره .
لم يكترث الجزار بما حدث كثيرا ... فالزريبة مكتظة بالخراف ولاداعي لتضييع الوقت في ملاحقة ذلك
الكبش الهارب....
أمسك الجزار بخروف اخر وجره من رجليه وخرج به من الزريبة ....
كان الخروف الاخير مسالما مستسلما ولم يبد اية مقاومة ..........الا صوتا خافتا يودع فيه بقية القطيع
نال ذلك الخروف اعجاب جميع الخرفان في الزريبة ... وكانت جميعها تثني عليه بصوت
مرتفع وتهتف باسمه ... ولم تتوقف عن الهتاف حتى قاطعها صوت الجزار الجهوري وهو
يقول ..... بسم الله والله أكبر
خيم الصمت على الجميع ....وخاصة بعد ان وصلت رائحة الموت الى الزريبة . ولكنهم سرعان ماعادوا الى
اكلهم وشربهم مستسلمين لمصيرهم الذي يرفضون أي فكرة لمقاومة ذلك المصير بل قد يتعرض أي خروف
يدعو الى مقاومة الجزار الى الموت نطحا قبل أن يقتل ذبحا..
وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحدا بعد الاخر ... وفي كل مرة ياتي الجزار ليأخذ احدهم لاتنسى
بقية الخراف بان توصيه على الموت على دستور القطيع لا ثم لا للمقاومه
وكان الجزار وتوفيرا للوقت والجهد .... اذا وجد خروفا هادئا مطيعا ...فانه يأخذ معه خروفا اخر .
وكل مازاد عدد الخراف المستسلمة ... زاد طمع الجزار في أخذ عددا اكبر في المرة الواحدة ... حتى وصل
به الحال أن يمسك خروفا واحدا بيده وينادي خروفين اخرين او ثلاثة او اكثر لتسيرخلف هذا الخروف الى المسلخ....
وهو يقول : يالها من خراف مسالمة ... لم احترم خرافا من قبل قدر ما احترم هذه الخراف ...
انها فعلا خراف تستحق الاحترام.
كان الجزار من قبل يتجنب أن يذبح خروفا امام الخراف الاخرى حتى لايثير غضبها وخوفا من أن
تقوم تلك الخراف بالقفز من فوق سياج الزريبة والهرب بعيدا... ولكنه حينما رأى استسلامها المطلق ..
أدرك أنه كان يكلف نفسه فوق طاقته ..وان خرافه تلك تملك من القناعة بمصيرها المحتوم
مايمنعها من المطالبة بمزيد من الحقوق ...
فصار يجمع الخراف بجانب بعضها ... ويقوم بحد السكين مرة واحدة فقط ... ثم يقوم بسدحها وذبحها...
والاحياء منها تشاهد من سبقت اليهم سكين الجزار .. ولكن .. كانت الوصية من دستور القطيع تقف
حائلا امام أي احد يحاول المقاومة او الهروب ..." لا تقاوم ..." ....
في مساء ذلك اليوم وبعد أن تعب الجزار وذهب لاخذ قسط من الراحة ليكمل في الصباح مابدأه ذلك اليوم ...
كان الكبش الشاب قد فكر في طريقة للخروج من زريبة الموت واخراج بقية القطيع معه
كانت الخراف تنظر الى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي مندهشة من جرأته وتهوره .
لم يكن ذلك الحاجز الخشبي قويا ... فقد كان الجزار يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب .
وجد الخروف الشاب نفسه خارج الزريبة .... لم يكد يصدق عينيه ...
صاح في رفاقه داخل الزريبة للخروج والهرب معه قبل أن يطلع الصباح
ولكن كانت المفاجأة أنه لم يخرج أحد من القطيع .... بل كانوا جميعا يشتمون ذلك الكبش ويلعنونه و يرتعدون
خوفا من أن يكتشف الجزار ماحدث...
وقف ذلك الكبش الشجاع ينظر الى القطيع .. في انتظار قرارهم الاخير
تحدث افراد القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش من الخروج من الزريبة والنجاة بانفسهم
من سكين الجزار ....
وجاء القرار النهائي بالاجماع مخيبا ومفاجئا للكبش الشجاع ....
__________________
الابتسامة أقل كلفة من الكهرباء ، وأكثر إشراقاً منه